ثانياً : العامل السياسي والمصلحي : فالفراغ القيادي الذي يتركه المؤسّس يخلق حالة من التنافس على السلطة ، وباستمرار فان التطلّع للحكم وجاذبية السلطة ، والرغبة في المصالح كلّ ذلك يشجّع على حدوث الانشقاقات والخلافات ، وقد يستعار لها غطاء عقيدي لتبريرها وكسب المؤيدين وكما أنّ الخلاف الفكري قد ينتج عنه خلاف سياسي ، فإنّ الصراع السياسي والخلافات المصلحية قد تتحوّل إلى قناعات فكرية مذهبية.
وفي تاريخ المسلمين فإنّ العامل السياسي والمصلحي لعب دوراً أساسياً في تمزيق الأُمّة وتعدّد طوائفها ومذاهبها حتّى قيل ما سلّ سيف في الإسلام على شيء مثلما سلّ على الإمامة والخلافة (١).
ففي نفس اليوم الذي التحق فيه الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى وحتّى قبل أن يُوارى جثمانه الثرى تفجّرت مشكلة الخلافة والإمامة بين المسلمين ، ويومها كانت بذور انشطار الأُمّة إلى طائفتين أساسيتين : طائفة السنّة والذين يرون عدم وجود نصّ ديني على تعيين خليفة لرسول الله وأنّ الأمر متروك لاختيار المسلمين ، وطائفة الشيعة الذين يعتقدون بالنصّ على علي بن أبي طالب كخليفة وإمام مفترض الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما وقد رافق بيعة المسلمين الخليفة الأوّل ملابسات وظروف كانت تهدّد وحدة الأُمّة بالخطر لكن حنكة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومبدأيته ساعدت على إنقاذ الموقف.
__________________
١ ـ الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٤ ونصّه : ( الخلاف الخامس في الإمامة : وأعظم خلاف بين الأُمّة خلاف الإمامية إذ ما سلّ سيف الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان ).