بالتأكيد لا سبب ولا مبرّر إلّا تفشّي الجهل وتدنّي الأخلاق وتحريك المغرضين المصلحين من الخارج أو الداخل.
ولقد عانت المجتمعات المسيحية في سالف الزّمان الأهوال والويلات من جرّاء الصّراعات والنزاعات الطائفية بين الاتجاهات المسيحية المختلفة ، فالمسيحية التي ظهرت وأصبحت ذات سلطان بتبنّي الإمبراطور قسطنطين لها في مطلع القرن الرابع كانت مسيحية بولس والتي ابتدعت أشياء لا يرضى بها المسيحيون الأصليّون كإلوهية المسيح والتثليث وغيرهما ، فبدأ صراع جديد اعتبر فيه المسيحيون الأصليّون متمرّدين ، وأوقعت بهم المسيحية الإغريقية أو مسيحية بولس ألواناً من العنت والاضطهاد.
أمّا في تاريخنا الإسلامي ورغم إقرار الإسلام لحرّيّة العقيدة والفكر حيث يهتف قرآنه العظيم ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (١) ، ورغم تأكيد التعاليم والتوجيهات الإسلامية على حسن الأخلاق والتعامل حتّى مع المخالفين في الدين (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (٢) ، ورغم كلّ النّداءات القرآنية والمحمّديّة التي تدعوا المسلمين للاتّحاد والتعاون والتآلف ونبذ حالة التنازع والتقاطع ، رغم كلّ ذلك فقد شوّهت تاريخنا الإسلامي صفحات سوداء قاتمة من الخلافات والصّراعات الطائفية بين أتباع المذاهب الإسلامية وذوي الاتجاهات الفكريّة المختلفة في الأُمّة ، ولا تزال تلقي بظلالها السلبية المقيتة على واقع الأُمّة المعاصر.
__________________
١ ـ البقرة (٢) : ٢٥٦.
٢ ـ لقمان (٣١) : ١٥.