وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحرقة فصبّحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلّا الله ، فكفّ الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتّى قتلته ، فلمّا قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك فقال : يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلّا الله؟ قلت : كان متعوّذاً.
قال : فما زال يكرّرها حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم (١).
وفي الصحيحين ـ واللفظ للبخاري ـ بالإسناد إلى المقدار بن عمرو أنّه قال : يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفّار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثمّ لاذ منّي بشجرة فقال : أسلمت لله ، أأقتله يا رسول الله ، بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تقتله فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله ـ أي أصبح مؤمناً ـ وأنك بمنزلته قبل ان يقوم كلمته التي قال ـ أي تكون كافراً حربياً ـ (٢).
ويعلق السيّد شرف الدين رحمه الله على هذا الحديث قائلاً :
ليس في كلام العرب ولا غيرهم عبارة هي أدلّ على احترام الإسلام وأهله من هذا الحديث الشريف ، وأي عبارة تكايله في ذلك أو توازنه وقد قضى بأنّ المقدار على سوابقه وحسن بلائه لو قتل ذلك الرجل لكان بمنزلة الكافرين المحاربين لله ولرسوله ، وكان المقتول بمنزلة واحد من أعاظم السابقين وأكبر البدريين الأحديين ، وهذه أقصى غاية يؤمها المبالغ في احترام
__________________
١ ـ المصدر السابق : ج٨ ، ٣٦ «بتلخيص» وصحيح مسلم ١ : ٦٨ «بتلخيص» ..
٢ ـ صحيح البخاري ٥ : ١٩ وصحيح مسلم ١ : ٦٦ ـ ٦٧.