أن يترك السنّي مذهبه ، ويترك الشيعي مذهبه ، ولا يعني أن يترك أيّ واحد منهم معتقداته وتقاليده ، بل يعني إيجاد علاقة الحبّ ، ورابطة الإيثار ، والتوحيد بين الطائفتين بمعناهما ، وهذه الرابطة تمتّنها الآيات القرآنية ، وتنمّيها مفاهيم العقل الذي يجلّيه وينمّيه الوحي.
إنّ الله سبحانه وتعالى يقرّر عندما يبيّن لنا المجتمع الإسلامي ، أنّ أموال هذا المجتمع يجب أن تكون تحت إشراف القيادة الرسالية ، فيقول في هذا المجال : (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١).
وهؤلاء المهاجرون بالمعنيين المادّي والمعنوي هم فقراء ليسوا من أهل البلد الذي هُجّروا إليه ؛ أي أنّ الوحدة بين أبناء الأمّة الإسلامية لابدّ أن تقوم على أساس أنّ أهل البلد يجب أن يهتمّوا بمن يفد إليهم قبل أن يهتمّوا بأنفسهم ، وأنْ يهتمّوا بمن هو على عقيدتهم قبل اهتمامهم بأنفسهم ، وبناءً على ذلك فإنّ علينا أنْ نهتمّ أوّلاً بالغريب ثمّ القريب ، والجار ثمّ الدار.
فلننظر إلى مدى القيمة التي يضفيها القرآن على هذا الإنسان الذي يترك أرضه ، فهو لا يحدّد انتماء هؤلاء المهاجرين ؛ لأنّ الهجرة هي بحدّ ذاتها قيّمة ، فلابدّ أن نحقّق الوحدة من خلالها ، ولابدّ أن نُربِّي المجتمع الذي يحبّ الإنسان المهاجر أكثر ممّا يحبّ أرضه ، ويقول : إنّ هذا الإنسان غريب ومن بلد بعيد وأنّ فطرتي تدعوني إلى أن أحسن إليه ، فإذا ما أحسنت إلى ذلك الغريب الذي لا يمتُّ إليَّ بصلة القربى ، لا اللغة ولا الجنس ولا أعرفه نهائياً ولا يعرفني ، فإنّني أكون بذلك قد أخلصت العمل لله جلّ جلاله ؛ أي ارتفعت ،
__________________
١ ـ الحشر (٥٩) : ٨.