وهكذا أراد الإسلام لأبنائه أن يتربّوا على سعة الأفق ورحابه الصدر وروح التسامح ليستوعبوا ما قد يحدث بينهم من اختلاف في الرأي وتفاوت في الأفكار.
فما دام الجميع يرفعون شعار الإسلام ويعلنون الالتزام به فهم مسلمون مهما تعدّدت مذاهبهم وتنوّعت فرقهم. كيف والأصول واحدة متفق عليها بين المذاهب ، والأُسس واحدة ينطلق منها الجميع؟!
بيد أنّ مرضاً خبيثاً تفشّى في بعض الأوساط الإسلامية هو مرض التسرّع في تكفير من يخالفهم في المذهب أو الرأي ، فالإسلام عند هؤلاء المرضى محدود النطاق ضيق الإطار يتلخّص فيما يرونه ويعتقدونه ومن حادّ عنه قيد شعرة خلعوا عنه رداء الإسلام وحكموا بكفره وزندقته!
بعدما اضطرّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى قبول التحكيم في حربه بصفين ضد تمرّد معاوية بن أبي سفيان سنة ٣٧ هـ ، تكتّل جماعة من جيش الإمام علي معلنين مخالفتهم للصلح مع معاوية وقبول التحكيم ، وخرجوا على طاعة الإمام وبدؤوا بتكوين نظرية وفلسفة لخروجهم ورفضهم التحكيم ، وتطرّفوا في موقفهم إلى حدّ الحكم بكفر الإمام علي ، وشنّ الحرب ضد حكومته وقتل أتباعه وأصحابه (١).
ويذكر التاريخ بعض موارد تطرّفهم منها : أنّهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانياً فقتلوا المسلم لأنّه عندهم كافر إذ كان على خلاف معتقدهم
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ ٣ : ٣٣٤.