فأخذوه وكتفوه ثمّ أقبلوا به وبامرأته وهي حُبلى متم ، حتّى نزلوا تحت نخل مواقير ، فسقطت منه رطبة ، فأخذها أحدهم فتركها في فيه ، فقال آخر : أخذتها بغير حلّها وبغير ثمن ، فألقاها. ثمّ مرّ بهم خنزير لأهل الذمّة فضربه أحدهم بسيفه ، فقالوا : هذا فساد في الأرض ، فلقي صاحب الخنزير فأرضاه ، فلمّا رأى ذلك منهم ابن خبّاب قال : لئن كنتم صادقين فيما أرى فما عليّ منكم من بأس ، إنّي مسلم ما أحدثتُ في الإسلام حدثاً ، ولقد آمنتموني قلتم : لا روع عليك. فأضجعوه فذبحوه ، فسال دمه في الماء ، وأقبلوا إلى المرأة فقالت : أنا امرأة ألا تتّقون الله! فبقروا بطنها ، وقتلوا ثلاث نسوة من طيّء ، وقتلوا أمّ سنان الصيداويّة (١).
هكذا ابتلى الخوارج بمرض تكفير المسلمين المخالفين لهم في الرأي ، وكانت ظاهرة جديدة في الأُمّة ، حيث لم يتجرّأ عليها أحد قبلهم مع حصول الاختلاف في الرأي والموقف والذي قد يصل إلى حدّ الاقتتال كمقتل الخليفة عثمان وحرب الجمل وحرب صفين دون أن يكفّر أحد من الطرفين الآخر.
وتسرّب هذا الداء الوبيل من الخوارج لغيرهم ، وصار التكفير سلاحاً في معارك الخلاف المذهبي والفكري لدى الفئات المتعصّبة المتطرّفة ، حيث تعتبر كلّ جهة متعصبة أنّ الإسلام محصور في عقيدتهم وفهمهم ، وأنّ من خالف ذلك الفهم ولو أدنى مخالفة فهو خارج عن حظيرة الإسلام محكوم بالكفر أو الشرك!
فمثلاً ينقل عن محمّد بن موسى الحنفي قاضي دمشق المتوفي سنة ٥٠٦ هـ
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ ٣ : ٣٤١.