ولعلّ من أعظم تلك الفتن التي وقعت بين المذاهب هي فتنة ابن القشيري الشافعي عندما ورد بغداد سنة ٤٦٩ هـ وجلس في النظامية وأخذ يذمّ الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم ، وكتب إلى الوزير يشكو الحنابلة ويسأله المعونة ، وهجم أصحاب القشيري على زعيم الحنابلة عبد الخالق بن عيسى ، ووقع قتال بين الطرفين وأغلق أتباع القشيري الشافعيون أبواب سوق مدرسة النظام ، وغضب أبو إسحاق الشيرازي وكاتب فقهاء الشافعية نظام الملك غضباً لتسلّط الحنابلة واتسعت الفتنة وفكر الخليفة في حلّ هذه المشكلة واهتدى إلى سعيه في الصلح ، فجمع القشيري وأصحابه وأبا جعفر الشريف زعيم الحنابلة وأصحابه بمحضر الوزير ، فقام القشيري رئيس الشافعية والتفت إلى الوزير عندما طلب منه الصلح وقال : أيّ صلح يكون بيننا؟! إنّما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو دين أو تنازع في ملك ، فأمّا هؤلاء القوم فإنّهم يزعمون إنّا كفّار ونحن نزعم أنّ من لا يعتقد ما نعتقده كان كافراً فأيّ صلح يكون بيننا (١)؟!
وفي أواخر القرن الثاني الهجري أُثيرت مسألة على بساط البحث بين علماء المسلمين وهي تحديد هوية القرآن هل هو مخلوق محدث أوجده الله أو هو قديم لانتسابه لله سبحانه (٢)؟
بالطبع ليس لنتيجة البحث هذا أيّ تأثير على أصول العقيدة ولا برامج التشريع ولا مصالح الحياة ، بل هو بحث هامشي لا داعي له لذلك امتنع الأئمّة
__________________
١ ـ ذيل طبقات الحنابلة ١ : ٦ (بتصرّف).
٢ ـ لاحظ شرح الأصول الخمسة : ٥٢٧ ، ولاحظ بحوث في الملل والنحل ٢ : ٢٥٣.