وتساميت على الاعتبارات المادية إلى مستوى الإيمان الحقّ.
ثمّ من بعد ذلك تأتي الفئة الأخرى التي تمثّل ( الأنصار ) الذين ذكرهم تعالى في محكم كتابه العزيز : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ) (١).
فما هي طبيعة الأنصار يا ترى؟
إنّ في كلّ بلد أنصاراً ، ولكلّ أُمّة أنصاراً ، وهؤلاء الأنصار لا يدورون حول محورهم وذاتهم ، فمن أهمّ الصفات التي يبيّنها القرآن الكريم للأنصار بعد الإيمان أنّه يقول عنهم : (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (٢) ، فالأنصار يؤثرون على أنفسهم ، ومن المعلوم أنّ القرآن الكريم لا يمدح أحداً لأنّه يأكل كثيراً ، أو يبني بيتاً واسعاً ، ويتسنّم منصباً مرموقاً ، بل يمدحه لأنّه يؤثر على نفسه وإن كان يعاني من العوز والخصاصة ، وهذا هو الفلاح المبين ، كما يؤكّد على ذلك تعالى في قوله : (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣).
فإذا أردنا الفلاح فلابدّ أن نخرج من الذات ، ومن هذه الأنا الضيقة ، وأن ننظر إلى الحياة برحابتها ، وسعة أفقها.
ثمّ يضيف عزّ شأنه قائلاً : (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (٤).
__________________
١ ـ الحشر (٥٩) : ٩.
٢ ـ الحشر (٥٩) : ٩.
٣ ـ الحشر (٥٩) : ٩.
٤ ـ الحشر (٥٩) : ١٠.