الأموات ، إنّما هي وثنية الأحياء أصحاب السلطان والنفوذ. ولا يُقضى على هذه الوثنية بالدعوة إلى هدم القبور ، وتحريم زيارتها وإنّما بتحقيق شعور المساواة بين الحاكم والمحكوم ، وبتحقيق الإخاء والتعاون في الإسلام بين الفرد والمجتمع ، وتحقيق بقيّة المبادئ الإسلامية الأُخرى في المجتمع الإسلامي (١).
منحى التكفير واتهام الناس في أديانهم أمر مرفوض شرعاً وعقلاً ، والذين كانوا يسلكون هذا المنحى إنّما ينطلقون من جهلهم بحقائق الإسلام ومن ابتعادهم عن أخلاقه وتعاليمه الحضارية السامية ، وبالتالي فهم يشكّلون خطّاً شاذّاً منحرفاً في ثقافة الأُمّة وتاريخها.
وبمراجعة عابرة لأحكام الإسلام وآدابه ، ولسيرة ومواقف أئمة الهدى وعلماء الأُمّة المخلصين الواعين نكتشف مدى انحرافية ذلك المنحى وأنّه مظهر لحالات التخلّف والانحطاط التي عصفت بالأُمّة ، في الوقت الذي تتجلّى حضارية الفكر الإسلامي ، وتقدّمية مناهجه وسمو أخلاق الملتزمين به.
فهذا علي بن أبي طالب عليه السلام حينما تمرّد عليه الخوارج ، وهو الحاكم الشرعي المنتخب من جماهير الأمّة ، رغم أنّ الخوارج تجرأوا على الإمام برميه بالكفر والشرك ، إلّا أنّه وانطلاقاً من بصيرته الدينية النافذة ، وخلقه الإسلامي الرفيع ، رفض أن يعتبر الخوارج الذين كفّروه كفّاراً ، أو أن يحكم بخروجهم عن الإسلام.
__________________
١ ـ الفكر الإسلامي في تطوره : ٨١.