بسعة أفق ورحابة صدر ، بينما عانت الأُمّة الويلات والمآسي من تصرّفات وممارسات خطّ التعصّب المذهبي والإرهاب الطائفي ، أولئك الذين كانوا يعتقدون أنّ الحق منحصر في آرائهم ، والجنّة لا تتسع لغيرهم ، ويجيزون لأنفسهم محاسبة الناس ومحاكمتهم على اعتقاداتهم وانتماءاتهم ، ويعتبرون الرأي الآخر جريمة لا يطيقون سماعه فضلاً عن نقله وإحترامه.
ولكي ندرك خطر هذا الاتّجاه وويلاته ومآسيه ، ولتتحصن أجواء الأمة من وجوده وانبعاثه المقيت نلتقط من التاريخ البعيد والقريب بعض تلك الجرائم والآلام.
تحدّث العلّامة ابن قدامة ( ت ٦٢٠ هـ ) في مقدّمة كتابه المغني عن وجود خطّين في الأُمّة للتعامل مع الاختلاف المذهبي خطّ التسامح وخطّ التعصّب ومن جملة ما قال :
ثمّ إنّ كثيراً من العلماء حاولوا أن يجعلوا اختلاف العلماء في مسائل الأحكام رحمة بهذه الأُمّة ، وتحقيقاً ليسر دينها الذي ثبت بنصوص الكتاب والسنّة ، واتقوا ما حذّر الله في كتابه من مضارّ التفريق والاختلاف الذي أفسد على الأُمم السابقة دينها ودنياها ، وحذّرنا سبحانه وتعالى من أن نكون مثلهم بقوله : (اعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)(١) ... إلى أن قال (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (٢).
ولكن المتعصّبين للمذاهب أبوا أن يكون الاختلاف رحمة ، وتشدّد كلّ منهم في تحتيم تقليد مذهبه ، وحرّم على المنتمين إليه أن يقلّدوا غيرهم ولو
__________________
١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٣.
٢ ـ آل عمران (٣) : ١٠٥.