تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ) (١).
وكم من عالم مسلم دفع حياته ثمناً لابدائه رأيا يعتقده أو فتوى استنبطها لتسلّط سيف الإرهاب الطائفي على المجتمع فهذا المولى ظهير الدين الأردبيلي ، حكم عليه بالإعدام واتّهم بالتشيّع ـ وهو لم يكن شيعياً ـ وذلك ؛ لأنّه ذهب إلى عدم وجوب مدح الصحابة على المنبر وأنّه ليس بفرض ، فقبض عليه وقدّم للمحاكمة وحكم عليه بالاعدام ونفّذ الحكم في حقه فقطعوا رأسه ، وعلّقوه على باب زويلة بالقاهرة (٢)!
وهذا سليمان بن عبد القوي المعروف بأبي العباس الحنبلي ٦٥٧ ـ ٧١٦ هـ ، كان من علماء الحنابلة ، ومن المبرّزين في عصره ، ودرس في أكثر مدارس الحنابلة في مصر ، ولكن ؛ لأنّه مدح الإمام علي بقصيدة ، وأبدى رأيه حول منع الخليفة عمر لكتابة الأحاديث بأنّ ذلك صار سبباً لعدم انضباط الأحاديث وضياعها ، لذلك اتهم بالرفض وعزّر في القاهرة وناله الضرب والسجن والتبعيد عن وطنه ، وفصل عن وظيفة التدريس ، وكان يستغرب ممّا نسب إليه قائلاً :
حنبلي رافضي ظاهري ... أشعري إنّها احدى الكبر (٣).
وذكروا أن محمّد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ ألّف كتاباً في اختلاف الفقهاء ولم يتعرّض فيه لآراء الإمام أحمد بن حنبل ؛ لأنّه يعتبره محدّثاً أكثر منه فقيهاً فأساء ذلك الحنابلة ، فسألوه عن حديث الجلوس على
__________________
١ ـ النحل (١٦) : ١١٦.
٢ ـ شذرات الذهب ٨ : ٢١٥.
٣ ـ لاحظ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢ : ٩١.