من رأي حول قضية واحدة فلابدّ أنّ بعضها مصيب والآخر مخطئ ، كما أنّ نسبة الصواب والخطأ قد تكون نسبية بين الآراء وعلى أحسن الفروض فإنّ هناك صحيح وأصحّ وصائب وأصوب ، مع قطع النظر عن معذورية المخطئ بل وثوابه ما دام مجتهداً قد بذل غاية وسعه فإنّ المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد.
وهنا يفترض في المسلم أن يدرس ويتأمّل المذاهب والمناهج المطروحة في الساحة الإسلامية ويعتمد على عقله وتفكيره وعوامل الاستدلال والاطمئنان المتوافرة لديه لكي يختار أحد تلك المناهج والمذاهب.
وهذا يعني أمرين :
الأوّل : إتاحة الفرصة وتوفّر المجال للاطّلاع على مختلف الآراء والمذاهب بأن تسود أجواء المجتمع حريّة فكرية ثقافية ، يتمكّن الإنسان عبرها من التعرّف عل جميع الأطروحات والآراء ، وهذا ما كان متداولاً ومعروفاً في العصور الإسلامية الأولى ، حيث كانت تتعدّد حلقات الإفتاء والتدريس في المساجد العامة وفقاً لتعدّد المذاهب واختلاف الأئمّة ، كما كانت تنعقد جلسات المناظرة والحوار وتتداول كتب العقائد والحديث والفقه على رأي مختلف المذاهب والمدارس.
بالطبع فإنّ حريّة الفكر والثقافة حقّ طبيعي للإنسان ومبدأ أساسي من مبادئ الإسلام ، وإذ ما انعدمت هذه الحرّية الفكرية واستبدّ بالساحة مذهب واحد ورأي فكري واحد مع حظر باقي المذاهب وقمع سائر المدارس فإنّه لا يمكن للمسلم أن يطمئنّ إلى صحّة اختياره وانتخابه للمذهب المفروض عليه بشكل غير مباشر.