الثاني : اهتمام المسلم بالبحث الموضوعي وتجرّده عن دواعي التعصّب والمصلحة ، ذلك أنّ الكثيرين لا يجدون دافعاً للبحث والاهتمام مكتفين بما يجدون عليه عوائلهم وأهاليهم ، وما يسود في مجتمعهم وبيئتهم.
وإذا ما تجاوزنا المسألة الذاتية ومسؤولية الإنسان اتّجاه نفسه بالبحث عن الحقّ لاعتناقه والتزامه ، فإنّ هناك قضية أُخرى ترتبط بموقف الإنسان اتّجاه الآخرين وإصداره الأحكام على معتقداتهم ومذاهبهم حيث لا يصحّ له الانطلاق من الجهل والتسرّع دون معرفة واطّلاع للحكم على الآخرين ، يقول تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (١).
إنّ من أهم عوامل الصراع وسوء التفاهم بين أتباع المذاهب الإسلامية هو الجهل المتبادل وعدم الانفتاح الفكري فيما بينهم حتّى على مستوى العلماء والقيادات ، حيث يحتفظ كلّ طرف لنفسه بانطباع وموقف سلبي اتّجاه الطرف الآخر ، دون أن يكلّف نفسه عناء البحث والتأكّد من صحّة انطباعه وموقفه وكأنّه ليس مسؤولاً أمام الله عن سوء ظنّه بالآخرين وخطأ حكمه عليهم ، أو غير مدرك لما ينتجه هذا الموقف الجاهلي من أخطار وتبعات على وحدة الأُمّة وتماسك صفوفها.
وهذا الجهل وعدم الانفتاح بين المذاهب هو الذي يتيح الفرصة للأعداء والمغرضين ليصطادوا في الماء العكر ، وليشوّهوا سمعة كلّ مذهب أمام المذاهب الأخرى ، وليعبئوا كلّ طائفة اتّجاه الطوائف الأخرى.
يقول أحد العلماء اللبنانيين وهو يتحدّث عن دور الجهل في تعميق
__________________
١ ـ الإسراء (١٧) : ٣٦.