الخلاف الطائفي بين السنّة والشيعة ما يلي : وظنّي أنّ الكثير من المسلمين لو اطّلعوا على ما عليه الشيعة لم يكن منهم إلّا المودّة والإخاء ، حدّثني بعض أهل العراق فقال ما مضمونه : لما جاء الترك بجيشهم لمقابلة الإنجليز محاماةً عن العراق من جهة البصرة في الحرب الكبرى وكان في جيشهم من ديار بكر والموصل من لا يعرف الشيعة فلمّا رأوا من علماء الشيعة ورجالها ما رأوا من التزامهم بالصلاة وغيرها من العبادات وإخلاصهم في المدافعة عن بيضة الإسلام وكيان المسلمين ، وتفانيهم في المحاماة عن دينهم أخذ يقول بعضهم لبعض العراقيين ، إنّا ما كنّا نعرف الشيعة ، فإن كان أنتم شيعة فنحن كلّنا شيعة.
وأعجب من ذلك ما حدثني به بعض الفضلاء عن أحد أعلام الشيعة عن رجل من علماء نابلس أنّه قال له : كنا نتقرب إلى الله بدم الشيعي والآن صرنا نتقرب إلى الله بحبّ الشيعي (١).
ويبدو أنّ هناك إشكالاً عميقاً يكمن في مناهج الدراسة في الحوزات والجامعات والمعاهد الدينية ، حيث تقتصر كلّ مؤسسة على تدريس اتّجاه معين في العقائد والفقه والعلوم الدينية ، متجاهلة سائر الاتّجاهات والمذاهب ، والأخطر من ذلك هو تعبئة الطلّاب في كلّ معهد ديني ضدّ ما يخالف مذهبه ومنهجه عبر أسلوب التهريج والإسقاط والدعاية السوداء ، فيتخرّج طلّاب العلوم الدينية بفكر منغلق وعقلية ضيقّة جاهلين بالرأي الآخر منحازين بتعصّب ضدّه.
ولقد حدّثنا التاريخ أنّ الأستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده رأى ـ قبل
__________________
١ ـ الحقائق في الجوامع والفوارق للشيخ حبيب آل إبراهيم : ١٨.