الإسلامية وتعميق الخلافات في صفوفها واحداً من أبرز تلك الأهداف التي تسعى حركة الاستشراق لتنفيذها ثقافياً ، من هنا جاءت كتاباتهم عن المذاهب والفرق تخدم هذا التوجّه ، ومؤسف جدّاً أن تكون كتاباتهم مصدراً ومرجعاً يعتمدها بعض المؤلّفين المسلمين لتقييم التيارات والمدارس الإسلامية.
ومما يثير الدهشة والاستغراب أنّ بعض الكتّاب يعترفون بعدم اطلاعهم على آراء وكتب الطرف الآخر ، ولكنهم مع ذلك يسمحون لأنفسهم بإصدار الحكم واتخاذ الموقف المضادّ من ذلك الطرف الذي لم يسمعوا منه ، ولم يطّلعوا على حجّته ، فالعلّامة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة يعلن إعراضه وعدم قراءته لكتب بعض المذاهب كالشيعة والخوارج ، ولكنه مع ذلك يكيل لهم القدح والتهم والطعن ، قال ما نصّه :
وشذ بمثل ذلك الخوارج ، ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح ، فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم ، ولا نروي كتبهم ، ولا أثر لشيء منها إلّا في مواطنهم ، فكتب الشيعة في بلادهم ، وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن ، والخوارج كذلك ، ولكلّ منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة (١).
إنّنا نعيش الآن عصر العلم والمعرفة ، وازدياد حالة الفضول لدى الإنسان للاطلاع على خبايا الكون والحياة ، والتعرّف على أوضاع الشعوب والقبائل النائية والبعيدة ، فهل يصحّ لنا أن نجهل بعضنا البعض ، وينغلق كلّ منّا على مذهبه ومعتقداته دون أن يوسع أفق معلوماته بدراسة سائر الآراء والمذاهب ، والاطلاع على مختلف التيارات والمدارس الإسلامية؟!
__________________
١ ـ تاريخ ابن خلدون ١ : ٤٤٦.