من ألوان التمايز قد صنع له فلسفة وتنظيراً ، وأشاد عليهما مواقف وهياكل ومؤسّسات ، بهدف الدفاع عن الذات ، والخصائص الممّيزة ، في مواجهة ما يعتبره تهديداً لتلك الخصائص ، ومحاولة لفرض الذوبان ، وتجاوز الحقوق.
كانت الأُمّة في سالف عصورها الأولى ، تعيش حالة حضارية ونموذجية للوحدة ، حيث انصهرت في بوتقة الإسلام شعوب مختلفة ومتمايزة ، عرقياً وقومياً وقبيلياً ، ومع انبثاق مدارس اجتهادية متعدّدة دينياً وسياسياً ، إلّا أنّ الأجواء العامّة للأُمّة ، كانت تنعم بمشاعر الوحدة ، وكانت الأنظمة والقوانين السياسية والاجتماعية قائمة على هذا الأساس.
ومع حصول الكثير من الانحرافات السياسية والإدارية ، على الصعيد الرسمي ، من قبل الحاكمين ، إلّا أنّ الحالة الشعبية كانت تعيش واقع الوحدة والاندماج ، ولم يكن هناك شعور بالتناقض والتعارض ، ما بين الخصائص والميزات العرقية والقومية ، التي لم تكن ممارستها تثير أيّ حسّاسية ، ولا كان يترتّب عليها أيّ أثر ، في الحقوق العامّة ، يميّز بين ذوي تلك الانتماءات ، وما بين الانتماء إلى الكيان الواحد للأُمّة الواحدة.
لكن المؤسف والمؤلم هو ما حصل في هذه العصور المتأخّرة ، من حصول زخم من المشاعر والأحاسيس العميقة في نفوس أبناء الأُمّة ، باتّجاه التأكيد على جوانب التمايز القومي والعرقي والطائفي والمذهبي.
مما يجعل عملية التوعية والتعبئة باتّجاه الوحدة ، تحتاج إلى جهد خارق ، وبرمجة دقيقة ، لكي تتجاوز حالة الشعار والمشاعر ، وتتحوّل إلى أطروحات فكرية ، وبرامج عملية ، تعالج المخاوف والتحفّظات ، وتعطي الاطمئنان لمختلف الجهات ، بأنّ الوحدة لا تعني مصادرة خصائصها وميزاتها ، بل تفسح