ولعلّ القرآن الكريم ، من خلال إثارته وطرحه المكرّر ، للدور السلبي الذي لعبه علماء الدين في الأُمم السابقة ، الذين اتّخذوا الدين مطيّة المصلحية ، مع بعضهم البعض ، فمزّقوا وحدة أُممهم ، وحوّلوها إلى أحزاب متناحرة ، وشيع متصارعة باسم الدين.
لعلّ القرآن يريد بذلك تنبيه الأُمّة وتحذيرها ، لتنظر إلى علمائها بعقول واعية ، ولتتعامل معهم بعيون مفتوحة ، لا بثقة عمياء وتقديس مطلق.
قد يحدث الاختلاف والنزاع داخل أيّ شريحة من شرائح المجتمع ، وعلى أيّ مستوى من مستوياته ، وهو أمر سيء ضارّ ، لكن أضراره تبقى ضمن حدود معيّنة ، أمّا إذا حدث الاختلاف والنزاع في وسط علماء الدين ، فإنّ الإضرار ستكون أشدّ ، والخطر أعظم ، وذلك ؛ لأنّه ينطوي على الأبعاد التالية :
في الخلاف بين علماء الدين ، يصبح الدين هو ميدان الصراع ، وتكون القضايا الدينية هي أدوات النزاع والخلاف ، حيث يسعى كلّ طرف للتحصّن بالدين ، في مقابل الطرف الآخر ، وتعزيز موقفه في النزاع بمبرّرات دينية ، وقد يكون ، كما هو الغالب ، جوهر الصراع اختلافاً مصلحياً ، لكنّه ما يلبث أن يأخذ المنحى الديني ، أو يكون في البداية اختلافاً محدوداً ، ضمن مسألة من المسائل الدينية ، لكن حالة الصراع توسّع رقعة الخلاف ، وبشكل مفتعل متكلّف ، يطال أغلب المسائل والقضايا الدينية ، حتّى يصبح الدين الواحد دينين ، والمذهب مذهبين ، والمدرسة الفكرية تنشطر إلى مدرستين.
ثمّ يزايد كلّ طرف على الآخر في التمسّك بالدين ، ويتهمه في دينه