قد تدفعه لإثبات تميزه ، أو تفوقه على مقابله ، وإن كان ذلك على حساب الحق والحقيقة ، إلا من عصم الله تعالى من الورعين المخلصين الأتقياء.
من هنا جاءت تعاليم الإسلام ، وتوجيهات أئمّة الهدى ، للتحذير من الدخول في أي نقاش أو مناظرة تشوبها الدوافع الذاتية ، فالحوار والجدال مع الآخرين المختلفين مع الإنسان دينياً ، يجب أن يكون خالصاً لخدمة الحقّ ، واستكشاف الحقيقة ، وضمن الآداب والضوابط ، التي ترتقي بالحوار والجدال إلى أفضل مستوى ، وأحسن أسلوب ، كما يقول تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١) ، (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢).
روي أنّ رجلاً قال للإمام الحسين بن علي عليه السلام : اجلس حتّى نتناظر في الدين فقال : يا هذا أنا بصير بديني ، مكشوف عليّ هداي ، فإن كنت جاهلاً بدينك ، فاذهب فاطلبه ، مالي وللمماراة؟! وإنّ الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه ويقول : ناظر الناس في الدين لئلا يظنّوا بك العجز والجهل (٣).
إنّ الإخلاص للحقيقة والموضوعية في الحوار والمناظرة عند الاختلاف ، تستلزم القبول بالحقّ ، وإن جاء على لسان الخصم ، وحتّى لو كان الطرف الآخر مبطلاً في أصل دعواه واتّجاهه ، لكنّه أورد برهاناً صحيحاً في معرض جداله ، فإنّه لا يصحّ رفض البرهان الصحيح بسبب العجز عن مقابلته.
وهذا ما يشير له حديث رائع مروي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق
__________________
١ ـ العنكبوت (٢٩) : ٤٦.
٢ ـ النحل (١٦) : ١٢٥.
٣ ـ منية المريد : ١٧١.