العالِم يجب أن يكرّسِ جهوِدَهّ ووقته لاستنباط حقائق الدين وأحكامه ، ولنشرها وبثّها في المجتمع ، وللدعوة إلى الله تعالى ، حتّى في أوساط غير المسلمين ، ولردّ شبهات الكفّار والمخالفين للدين ، وتعبئة الأُمّة لمواجهة الأخطار المحدقة بها ، ولترتقي إلى مستوى السيادة بين الأُمم لتكون كما أرادها الله تعالى : (خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ) (١) ، (شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (٢).
لكن الخلافات والنزاعات بين علماء الدين تشغلهم ببعضهم بعضاً ، فتتركز أذهانهم وأفكارهم في ميدان هذا الصراع ، وتتجه جهودهم وأنشطتهم لتحقيق الأهداف والنقاط في ساحته ، وتتمحور علاقاتهم وتحالفاتهم على أساسه.
وحينما ابتلي علماء الأُمّة في عصور التخلّف بهذا الداء الوبيل ، تقلّصت جهودهم للتبشير بالإسلام ، وتوسيع رقعة انتشاره ، كما توقفّت لديهم حركة الإبداع العلمي والفكري ، وأصبح الجهد منصبّاً على شرح المتون السابقة ، والجدل حول مفاداتها ، ممّا أدّى إلى انكماش دورهم القيادي في المجتمع.
ولو تصفحّنا المكتبة الإسلامية لوجدناها مليئة بكتب الخلافات والردود المتبادلة ، بين الأشاعرة والمعتزلة ، وبين الشيعة والسنّة ، وداخل كلّ مذهب بين الاتّجاهات المختلفة.
__________________
١ ـ البقرة (٢) : ٢٢١.
٢ ـ البقرة (٢) : ١٤٣.