بينما تقلّ الكتابات التي تسبر أغوار الفكر الإسلامي ، وتستجلي أبعاده ، وتستنبط برامج الشريعة لمختلف جوانب الحياة ، وتستنهض الأُمّة لتفجير كفاءاتها ، ولمواجهة التحدّيات التي تحيط بها ، وتوجّه الأنظار إلى خزائن الكون ، وثروات الطبيعة ، وآفاق الحياة.
وهكذا تزّيف الخلافات والصراعات اهتمامات العلماء ، وتشغلهم عن القيام بمهامهم الأساسية ، وأدوارهم الطليعية.
هناك تساؤل عريض يدور في أوساط الجمهور ، وعامة أفراد المجتمع ، هو : لماذا وكيف يحصل الاختلاف بين العلماء؟ وعادة ما يأتي السؤال بصيغة الاستغراب والاستنكار!
الاستغراب نتيجة لما يعتقده الناس من أنّ العلماء يعبّرون عن الدين ، ويتحدّثون عن حقائقه وأحكامه ، والدين واحد وحقائقه وأحكامه واحدة ثابتة ، فكيف يختلف العلماء فيما ينقلونه عن الدين ، وتتعدد فتاواهم وآراؤهم في الموضوع الواحد ، والمسألة الواحدة؟ ثم كيف يدرك الناس ويعرفون الرأي الحقيقي ، والحكم الواقعي للدين ، مع هذا الاختلاف والتفاوت في الآراء والفتاوى؟
والاستنكار لما يتوقّعه الناس من نزاهة العلماء ، وورعهم ، وحسن نواياهم ، والتزامهم بتعاليم الإسلام ، وتخلّقهم بأخلاقه وآدابه ، مما يجعلهم ، وفقاً لتوقعات الناس ، منسجمين متعاونين فيما بينهم ، لا سبيل للشيطان عليهم ، ولا تأثير للمصالح والأغراض المادية في نفوسهم ، وإلّا فكيف يكونون علماء