وأئمّة للناس ، وحجّة فيما بينهم وبين الله؟
هذا التساؤل الذي يدور بإلحاح ، في أوساط العامة من الناس ، يستوجب منّا وقفة متأنيّة ، ومعالجة هادئة ، للإجابة عليه باستعراض أهمّ الأسباب والعوامل ، التي تنتج منها حالات الاختلاف بين العلماء ، وهي في مجملها نفس الأسباب والعوامل لأيّ اختلاف آخر يجري بين أبناء البشر ، ضمن مختلف الشرائح والتخصّصات.
فالعلماء ، مثلهم مثل سائر الناس ، والعلوم الدينية التي اكتسبوها لا تتجاوز بهم طبيعتهم البشرية ، ولا تنقلهم إلى الحالة الملائكية ، كما لا تمنحهم درجة العصمة التي اختصّ الله تعالى بها ، أنبياءه وأوصياءهم.
صحيح أنّ العلماء يعتمدون في آرائهم الدينية ، وفتاواهم الشرعية ، على مصدرين أساسيين ، هما الكتاب والسنّة ، لكن ذلك لا يعني الاتفاق في الآراء والفتاوى.
فبالنسبة للقرآن الكريم ، وهو المصدر الأول ، والمقطوع بصدوره من قبل الله تعالى حرفاً حرفاً ، دون أي زيادة أو نقصان ، إلّا أنّ فهم الدلالة والمعنى في بعض الآيات الكريمة ، قد يكون مجالاً للاختلاف بين العلماء والمفسّرين ، إمّا لأسباب تعود للغة ، كما إذا ورد في الآية لفظ مشترك ، وضع لمعان متعدّدة مختلفة ، كلفظ عين حيث تستعمل في الباصرة ، والجارية ، والذهب الخالص ، والرقيب ، ولم تكن إلى جانبها قرينة تدلّ على المراد منها ، فهنا يحصل الاختلاف في حملها على أيّ معانيها.
ومن شواهد هذه الحالة قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ