والإدراك ، أو نظراً لعلاقة النصّ بنصوص أخرى من القرآن أو السنّة.
وبالنسبة للسنّة النبوية ، وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، فإنّ مجال الاختلاف فيها بين العلماء أوسع ، وأسبابه أكثر ، لأنّ القرآن الكريم يتّفق المسلمون على قطعية صدوره من قبل الله تعالى ، ثمّ قد يختلفون في مداليل ومعاني بعض آياته كما سبق ؛ أمّا السنّة ، فإنّ كلّ حديث من أحاديثها يحتاج إلى بحث ، للتأكّد من صحّة سنده أولاً ، ومن ثمّ يكون البحث في مدلوله ومعناه ، وكلا الجانبين يتسع لاختلاف وتعدّد وجهات النظر.
فالعالِم لا يقبل حديثاً ، إلا إذا كان مطمئناً من صدق راويه ، وصحّة سند روايته ، وهنا يتفاوت تقويم العلماء للرواة ، وقبولهم لأسانيد الروايات.
ثمّ قد يحصل الاتّفاق على صحّة حديث ، لكن يختلف في تحديد معناه ودلالته ، وكمثال على ذلك حديث غدير خم وهو : قوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم : ( موضع بالجحفة ) ، مرجعه من حجّة الوداع ، بعد أن جمع الصحابة ، وكرّر عليهم : ألست أولى بكم من أنفسكم ، ثلاثاً ، وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف ، ثمّ رفع يد علي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهّم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وادر الحق معه حيث دار (١).
وهذا الحديث أجمع علماء الشيعة على صحّته وقبوله ، ورأوه دالا على تنصيب علي بن أبي طالب كإمام وولي وخليفة من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووافقهم على قبول الحديث والتسليم بصحّته أكثر علماء السنّة ، ولكنّهم
__________________
١ ـ الصواعق المحرقة ١ : ١٠٦.