ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) (١) ، لعلّ في ذلك إشارة إلى هذا المعنى.
كما أنّ طبيعة اللغة تنتج شيئاً من الاختلاف ، فالقرآن الحكيم نصوص قولية لفظية ، والسنّة المنقولة كذلك ، ألفاظ وأقوال ، والأقوال لدى أبناء البشر ، يرد فيها الاختلاف ، لوجود الألفاظ المشتركة ، التي تحتمل أكثر من معنى ، لوجود المعاني الحقيقية والمجازية ، ولإمكانية الدلالة بالمنطوق والمفهوم ولذا تتعدّد الشروح والتفسيرات لأقوال الأدباء والعلماء والحكماء ، ويحصل الاختلاف في تفسير مواد القوانين والمعاهدات ، والوثائق الرسمية والنقل التاريخي.
وأخيراً ، فإنّ طبيعة البشر ، في تفاوت مستويات علومهم وأفهامهم ، واختلاف توجهاتهم ، وحالاتهم النفسية ، تنعكس ولا شك على استنتاجاتهم وآرائهم ومواقفهم.
لكلّ ذلك يكون الاختلاف العلمي في الرأي والفتوى أمراً طبيعياً لا مفرّ منه ولا يمكن تجاوزه.
على أنّ هذا الاختلاف العلمي قد أسهم في تنشيط حركة الفكر والاجتهاد ، وأنتج هذه الثروة المعرفية الكبيرة للأُمّة ، فلو كان هناك رأي واحد ثابت ، في تفسير الآيات القرآنية ، لما كانت لدينا هذه المكتبة القرآنية الواسعة من التفاسير ، حيث يسعى كلّ مفسّر لإمعان النظر والتدبّر في الآيات الكريمة ،
__________________
١ ـ آل عمران (٣) : ٧.