الإسلام ـ بالرغم من الشكوك التي تكتنف هذه العملية ـ قد سمح بها ، وحدّد للمجتهد المدى الذي يجوز له أن يعتمد فيه على الظنّ ، ضمن قواعد تشرح عادة في علم أصول الفقه ، وليس على المجتهد إثم إذا اعتمد ظنّه في الحدود المسموح بها ، سواء أخطأ أو أصاب.
وعلى هذا الضوء ، يصبح من المعقول ومن المحتمل أن توجد لدى كلّ مجتهد مجموعة من الأخطاء والمخالفات لواقع التشريع الإسلامي ، وإن كان معذوراً فيها. ويصبح من المعقول أيضاً أن يكون واقع التشريع الإسلامي في مجموعة من المسائل التي يعالجها موزّعاً هنا وهناك ، وبنسب متفاوتة في آراء المجتهدين ، فيكون هذا المجتهد على خطأ في مسألة ، وصواب في أخرى ، ويكون الآخر على العكس ...
ولكن علينا أن نتساءل : هل من الضروري أن يعكس لنا اجتهاد كلّ واحد من المجتهدين ، بما يضمّ من أحكام ، مذهباً اقتصادياً كاملاً ، وأسساً موحّدة منسجمة مع بناء تلك الأحكام وطبيعتها؟
ونجيب على هذا السؤال بالنفي ، لأنّ الاجتهاد الذي يقوم على أساسه استنتاج تلك الأحكام معرّض للخطأ ، وما دام كذلك ، فمن الجائز أن يضمّ اجتهاد المجتهد عنصراً تشريعياً غريباً على واقع الإسلام ، قد أخطأ المجتهد في استنتاجه ، أو يفقد عنصراً تشريعياً إسلامياً لم يوفّق المجتهد للظفر به في النصوص التي مارسها ، وقد تصبح مجموعة الأحكام التي أدّى إليها اجتهاده متناقضة في أسسها بسبب هذا أو ذاك ، ويتعذر عندئذ الوصول إلى رصيد نظري كامل يوحدّ بينها ، أو تفسير مذهبي شامل يضعها جميعاً في اطار واحد ...