فليس من الضروري أن تعكس الأحكام التي يضعها ذلك الاجتهاد مذهباً اقتصادياً كاملاً ، وأساساً نظرياً شاملاً ، ما دام من الممكن فيها أن تضم عنصراً غريباً أو تفقد عنصراً أصيلاً بسبب خطأ المجتهد.
قد يؤدّي خطأ واحد في مجموعة تلك الأحكام إلى قلب الحقائق في عملية الاكتشاف رأساً على عقب ، وبالتالي إلى استحالة الوصول إلى المذهب الاقتصادي ، عن طريق تلك الأحكام.
لهذا ، قد يواجه الممارس لعملية اكتشافه المذهب الاقتصادي محنة ، هي محنة التناقض بين وصفه مكتشفاً للمذهب ، ووصفه مجتهداً في استنباط الأحكام. وذلك فيما إذا افترضنا أن المجموعة من الأحكام التي أدّى إليها اجتهاده الخاص ، غير قادرة على الكشف عن المذهب الاقتصادي. فالممارس في هذه الحالة ، بوصفه مجتهداً في استنباط تلك الأحكام ، مدفوع بطبيعة اجتهاده إلى اختيار تلك الأحكام التي أدّى إليها اجتهاده ، لينطلق منه في اكتشافه للمذهب الاقتصادي.
ولكنّه ، بوصفه مكتشفاً للمذهب ، يجب عليه أن يختار مجموعة منسقة من الأحكام ، منسجمة في اتجّاهاتها ومدلولاتها النظرية ، ليستطيع أن يكتشف على أساسها المذهب ، وهو حين لا يجد هذه المجموعة المنسقة في الأحكام التي أدى إليها اجتهاده الشخصي ، يجد نفسه مضطراً إلى اختيار نقطة انطلاق أخرى ، مناسبة لعملية اكتشافه ...
والسبيل الوحيد الذي يتحتم على الممارس سلوكه في هذه الحالة ، أن يستعين بالأحكام التي أدت إليها اجتهادات غيره من المجتهدين (١).
__________________
١ ـ اقتصادنا : ٣٩٦ ـ ٤٠٠.