لكلّ ذلك ، فإنّ المتوقّع أن تكون العلاقة بين رجال الدين علاقة مثالية ، نابعة من قيم الإسلام ، ومنسجمة مع تعاليمه. وإذا كان الاختلاف العلمي له مبرّراته وأسبابه المقبولة ، فليكن الخلاف ضمن دائرته ، وداخل إطاره وحدوده ، واختلاف الرأي لا يفسد للود قّضية ـ كما يقول الشاعر.
لكن رجال الدين هم من البشر ، وتعتمل في نفوسهم ، كسائر البشر ، مختلف النوازع الشهوانية ، وقد يضعف بعضهم أمامها ، وتخونه إرادته ، فينحرف عن منهج الله ، ويستجيب لدواعي الشهوة والأهواء ، فهو ليس معصوماً عن الخطأ والانحراف.
ولأنّ هذا الاحتمال وارد ، وواقع في تاريخ الرسالات الإلهية ، ولأنّه يشكّل خطورة كبرى في المجتمعات المتديّنة ، لذلك تحدّثت عنه النصوص الدينية ، ودعت المؤمنين لكي يتحلّوا باليقظة والانتباه ، في تعاطيهم وتعاملهم مع رجال الدين ، فلا يسلّمون لهم القياد دون وعي ، ولا يقلّدونهم تقليداً أعمى ، ولا يقدّسونهم تقديساً مطلقاً ، فهم معرّضون ، كغيرهم من الناس ، للخطأ والانحراف ، وليست لهم حصانة خاصّة ، تعفيهم من تبعات الذنوب والآثام.
ولنتأمّل بعض النصوص الواردة في الكتاب والسنّة ، حول التحذير من انحراف رجل الدين ، ومدى الخطورة التي يشكّلها بانحرافه.
يتعاطى بعض المتديّنين مع رجل الدين بمثالية ساذجة ، وبساطة متناهية ، فيأخذون قوله دون تفكير ، ويقدّسون أعماله دون نقاش ، بل ويرفضون أن يتجرّأ أحد على انتقاده أو مناقشته ، وإذا ما انكشف لهم منه خطأ صارخ فاضح ، استعصى عليهم تبريره ، فإنّهم يصابون بهزّة عميقة وصدمة كبيرة ،