أنّ التعاطي والتعامل مع هذا الأمر يختلف من حالة إلى أخرى ، فقد يكون هذا الاختلاف سبباً لاستثارة الأذهان والعقول ، وباعثاً لتنشيط حركة الفكر والاجتهاد ، وتوسعة على الناس بتعدّد الخيارات والحلول أمامهم في بعض المسائل.
وقد يتحوّل هذا الاختلاف العلمي عن مساره الإيجابي ليصبح عنصراً سلبياً ، يغذّي حالة التفرقة والنزاع ، وأرضية تنمو فيها أشواك العداوة والخصام.
فلابدّ من وجود ضوابط فكرية ، وأخلاقيات سلوكية ، تحكّم تعاطي العلماء فيما بينهم ، وخاصّة عند مواقع الاختلاف العلمي. والصفحات التالية استعراض وبحث لما يظهر أنّه من أهم الأخلاقيات والضوابط التي تنظّم حالة الاختلاف العلمي.
كيف يتكوّن رأي علمي ، في أي قضية شرعية ، عند أي عالم من العلماء فيفتي به ويعتبره رأياً شرعياً وحكماً دينياً؟
لا شكّ أنّ السبيل الوحيد لذلك هو الاجتهاد وإعمال الفكر والنظر ، بالرجوع إلى الكتاب والسنّة ، وبدراسة واستقراء آراء الأئمّة ، والعلماء السابقين ، فالوحي لم ينزل ولا ينزل على أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والاجتهاد باب مشرع ، وطريق مفتوح لجميع المؤهلّين ، فلا يمكن لعالم أن يعتبر نفسه الواحد الوحيد الذي يجوز له الاجتهاد.
وحينما يمارس أي عالم مهمّة الاجتهاد وفق ضوابطها الشرعية ، فسيرى نفسه ملزماً بنتائج اجتهاده ، باعتبارها تمثّل رأي الشرع والدين في نظره.