وهذا ينطبق على غيره أيضاً ، فكما جاز له هو الاجتهاد ، وصحّ له الالتزام بنتائجه ، فذلك جائز وصحيح في حق غيره أيضاً ، فلا يمكن التفكيك والترجيح بلا مرجّح بينهما.
من هنا اتفقت كلمة العلماء على حجيّة رأي المجتهد بالنسبة له.
إنّ كلمة الأعلام تكاد تتفق على حجية رأيه المجتهد ولزوم العمل به ، وعدم جواز رجوعه إلى الغير ... إذ المجتهد ... إذا أعمل ملكته وانتهى إلى رأي ، فهو إما عالم بالحكم الواقعي علماً وجدانياً أو علماً تعبدياً ، بواسطة جعل الشارع للطريقية أو الحجّية ، أو يكون عالماً بإحدى الوظيفتين الشرعية أو العقلية ... ومع فرض حصول العلم لا يبقى مجال للتصرّف الشرعي ، فلا يمكن أن يقال للمجتهد العالم بالمسألة : إنّك لا يسوغ لك أن تعمل بعلمك ، وعليك الرجوع إلى الغير واستشارته فيما تراه حاصلاً لديك من الواقع ... أما جواز إفتائه على وفق ما وصل إليه من رأي ، فهو أيضاً لا يقتضي أن يكون موضعاً لإشكال ، لما تقدم بيانه من أن من لوازم الحجّية العقلية جواز نسبة مؤدّى ما قامت عليه إلى مصدرها من شارع أو عقل ، وليس المراد من الفتوى إلّا الإخبار عمّا يراه من حكم أو وظيفة (١).
ومع وضوح هذه المعادلة عقلاً ، وإقرارها شرعاً ، إلّا أنّ البعض من العلماء يتنكّر لها ، ويتمرّد عليها ، فيعطي لنفسه الحق أن يجتهد ، وأن يعتبر نتاج اجتهاده رأياً شرعياً ، ثمّ ينكر على الآخرين ممارسة هذا الحق ، بدعوى أنّ ما وصل إليه من رأي هو الحق والصواب ، وبالتالي فإنّ الرأي المخالف هو باطل وخطأ.
__________________
١ ـ الأصول العامة للفقه المقارن : ٦٠٩ ـ ٦١٢.