ولكن أصحاب الرأي الآخر لديهم نفس القناعة أيضاً ، بأنّ رأيهم هو الحق والصواب ، والرأي المخالف هو باطل وخطأ.
ولا مجال هنا إلّا بالاعتراف بحقّ الاختلاف ، ووجود الرأي الآخر ، والخطأ والصواب احتمالان يردان على كلّ رأي ، وقد يكونا نسبيين في بعض الآراء ، والله تعالى هو الأعلم بحقائق الأمور والأحكام ، وجميل جدّاً ما تعارف عليه العلماء من إنهاء فتاواهم بعبارة الله أعلم.
ويضرب لنا الإمام علي بن أبي طالب أروع مثل في تعامله مع الرأي الآخر ، في المسائل الدينية ، فهو مع مقامه العلمي الشامخ ، الذي لا يطاوله فيه أحد ، ومع مكانته العظيمة التي اختصّ بها عند الله ورسوله ، حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي (١). وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : أقضاكم علي (٢).
إلّا أنّه حينما تولّى الخلافة لم يمنع الناس من صلاة نافلة رمضان جماعة في المسجد ( صلاة التراويح ) ، بل سمح لهم بذلك مع أنّه لا يرى ذلك من الناحية الشرعية ، كما هو رأي أئمة أهل البيت جميعاً.
فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال : لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادى في الناس الحسن بن علي ، بما أمره
__________________
١ ـ صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ باب فضائل علي وصحيح البخاري ٥ : ١٢٩ باب غزوة تبوك وفيه :
(أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف علياً فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء قال ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس نبي بعدي).
٢ ـ المواقف للأيجي ٣ : ٦٢٧ والجامع لأحكام القرآن ١٥ : ١٦٤.