إنّ الوحدة تبدأ من إيجاد التكتّلات الإيمانية التي تعني أنّ الإنسان المؤمن لا يعيش إلّا ضمن وحدة وتجمّع كما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : والزمو السواد الأعظم فإنّ يد الله على الجماعة ، وإياكم والفرقة! فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب (١).
إنّ الوحدة لا يمكن أن تتحقّق برفع شعاراتها ، وإنشاء الأشعار ، وإلقاء الخطب بشأنها ، فالوحدة هي حقيقة لابدّ من أن نوحدها في أنفسنا أوّلاً ، فهي بذرة تنبت في قلب المؤمن ثمّ تنمو شيئاً فشيئاً حتّى تصبح دورة وارفة الظّلال عظيمة الثّمار ، فهي تبدأ من حسن الظّن بإخواننا المؤمنين ، فالّذي يُسيء الظن بإخوته لا يمكنه أن يتحدّ معهم ، لأنّ الوحدة تعني أن تُحبّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك.
والوحدة تعني أيضاً أن نقول الكلمة الطّيبة كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ).
والوحدة تعني بالإضافة إلى ذلك التعاون ، كما يؤكّد على ذلك سبحانه في قوله : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (٢) ، أمّا عندما تكفّ يد التعاون عن إخوانك ، وتنطوي على نفسك في زاوية ، وتريد أن تعمل لوحدك ، فهل هذه الظاهرة تخدم الوحدة ، وهل من الصحيح أن نتعوّد على الفردية والانطواء والابتعاد عن السّاحة ، وهل مثل هذا المنحى يُنمّى فينا الوحدة؟!
__________________
١ ـ نهج البلاغة ٢ : ٨ ، الخطبة : ١٢٧.
٢ ـ المائدة (٥) : ٢.