إنّ من ضمن المعاني الأخرى للوحدة أن نصبر على أذى إخواننا ، وأن نفكّر أن يبادر الآخرون إلى إعطائنا من أنفسهم ، فمثل هذا التفكير لا يمكن أن يقودنا إلى الاتحاد معهم ذلك ، لأنّ الوحدة تعني من ضمن ما تعنيه أنّ يدنا هي العليا في العطاء.
والوحدة تقتضي أيضاً أن نجعل هدفنا واضحاً ، وأن نحدّد هذا الهدف منذ البدء ، فهل هدفنا هو أن نتخاصم ونتنافس من أجل أن يكون أحدنا أبرز من الآخر في تظاهرة ما ، ومن أجل أن تكون أسماؤنا قبل أسماء الآخرين في احتفال ما؟!
ليس ثمّة شك إذا كانت أهدافنا غير واضحة ، فإنّ الشيطان سيخلط علينا الأمور ، وسيدفعنا إلى طرح الناوين والأسماء المثيرة للحزازات والاختلافات.
فلنتنافس على العمل لا على الشعارات الخاوية ، ولنتنافس بمقدار الإنجاز لا بإسلوبه ، كما يقول تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إلى الله مَرْجِعُكُمْ) (١).
وعلى هذا فإنّ الوحدة ليست كلمات ولا شعارات ، بل هي عمل وتضحية وسعي ، وخضوع لبرامج الله ، وتحلّ بالأخلاق الحميدة التي أمر الله بها ، فالوحدة يجب أن تتمخّض عن تطبيق القرآن الكريم ، والقرآن يقول : ( وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (٢) ، فهو يأمرنا بالتعاون ، وحسن الظّن ، وقول الكلمة الطيبة. وهذه الصّفات كلّها هي أسباب الوحدة.
__________________
١ ـ المائدة (٥) : ٤٨.
٢ ـ آل عمران (٣) : ١٥٩.