وإنّ الإنسان ـ بطبعه ـ لا يميل إلى الوحدة ، فلو تٌرِكَ لشأنه لاختار الفرقة ذلك لأنّ طبائع النّاس وآراءهم وأذواقهم متفرّقة ومتفاوتة ، فلكلّ واحد منهم مصلحة وفكرة وطريقة ، ثمّ إنّ الأهواء هي مختلفة بذاتها أمّا العامل الأساسي الذي يوحّد فهو الدين والرسالة ، والرسالة التي توحّد النّاس لا توحّدهم من خلال الكلمات والشعارات ، بل عبر الأشخاص وبالذات علماء الدين لأنّهم المراكز التي تتجلّى فيها بركة الله سبحانه وتعالى ، ورسالته الإلهية.
إنّ عالِمَ الدّين يكون في المجتمع محوراً للوحدة ، وحبلاً للاعتصام يتمسّك به الجميع ، لأنّه متصل بحبل الله الذي يقول عنه ربّنا جلّ وعلا : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (١) ، فإذا كان عالم الدين وسيلة للتفرقة ، وسبباً للخلاف ، ومثاراً للفتن ، فإنّ ذلك يعني وجود خلل فيه لا في الدين ، ونقص في ثقافته الرساليّة التي لم تترسّخ في نفسه بعد بشكل كامل.
__________________
١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٣.