وما زال أهل العلم والنظر والدراسات الصحيحة يعنون أكبر العناية بالمصادر التي يعتمدون عليها في بحوثهم ، ويستندون إليها في أحكامهم ، ومن المعهود أنّ رجال الفرق ، وأهل العصبيّة للمذاهب ينقلون عن مخالفيهم آراء قد لا يعرفها هؤلاء المخالفون ، وقد يعرفونها على صورة أخرى تختلف اختلافاً قريباً أو بعيداً عن الصورة المنقولة.
لذلك كان شيوخ العلم ، وحذّاق النقد يوصون تلاميذهم بأن يعنوا بمصادرهم ، وألّا يقلّدوا في بحوثهم وأفكارهم تقليداً أعمى ، فيقعوا في الخطأ ، ويضلّوا عن سواء السبيل (١).
لذلك إنّ التثبّت واجب قبل الحكم وقد أمرنا الله به لئلا نصيب قوماً بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين (٢).
٣ ـ إنّ الوحدة الحقّة والإخاء الصحيح الذي جاء به الإسلام ، بل جاء بالإسلام وتمشّت عليه وضعية الأُمم الراقية وبلغت أوج العزّ والقوّة أن يرى كلّ فرد من الأُمّة أنّ المصلحة النوعية هي عين المصلحة الفردية ، بل هي فوقها ، وهذه الصفة خفيفة في اللسان ، ثقيلة في الميزان (٣).
٤ ـ كفى بالقرآن جامعاً مهما بلغ الخلاف بين المذاهب ، فإن رابطة القرآن تجمعهم في كثير من الأصول والفروع ، تجمعهم في أشد الروابط من التوحيد والنبوّة والقبلة وأمثالها من الأركان والدعائم ، واختلاف الرأي فيما
__________________
١ ـ المصدر السابق : ٧٢.
٢ ـ دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية : ٧٥ ، إشارة لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات ( ٤٩ ) : ٦.
٣ ـ المثل العليا في الإسلام : ١١٩.