يستنبط أو يفهم من القرآن في بعض النواحي ، اختلاف اجتهادي لا يوجب التباغض والتعادي. والقرآن صريح في لزوم الاتفاق والإخاء والنهي عن التفرق والعداء ، قد جعل المسلمين إخوة فقال عز شأنه : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (١).
٥ ـ لا نزال نحن معاشر المسلمين بالنظر العام نتعلّق بحبال الآمال ، ونكتفي بالأقوال عن الأعمال ، وندور على دوائر الظواهر والمظاهر ، دون الحقائق والجواهر ، ندور على القشور ولا نعرف كيف نصل إلى اللبّ على العكس ممّا كان عليه أسلافنا ، أهل الجدّ والنشاط. أهل الصدق في العمل قبل القول ، وفي العزائم قبل الحديث. نحن نحسب أنّنا إذا قلنا قد اتحدنا واتفقنا وملأنا بتلك الكلمات لهواتنا واشداقنا ، وشحنّا بها صحفنا وأوراقنا نحسب بهذا ومثله يحصل الغرض المهم من الاتحاد ، ونكون كأُمّة من الأُمم الحيّة التي نالت بوحدتها عزّها وشرفها ، وأخذت المستوى الذي يحقّ لها.
ولذلك تجدنا لا نزداد إلّا هبوطاً ، ولا تنال مساعينا إلّا إخفاقاً وإحباطاً. يستحيل لو بقي المسلمون على هذا الحال أن تقوم لهم قائمة ، أو تجتمع لهم كلمة ، أو تثبت لهم في المجتمع البشري دعامة ، ولو ملئوا الصحف والطوامير ، وشحنوا أرجاء الأرض وآفاق السماء بألفاظ الاتحاد والوحدة ، وكلّ ما يشتق منها ويراد منها.
كلّ ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدّي والحركة الجوهرية (٢).
__________________
١ ـ المصدر السابق : ٦٧ ، الحجرات (٤٩) : ١٠.
٢ ـ المثل العليا في الإسلام : ١١٣.