ولو أنّ هذه التجربة فشلت ـ والعياذ بالله ـ لكان الجواب على تلك الأسئلة صريحاً واضحاً ؛ فإنّ فشلها وإن كان في ظاهره مجرّد ضياع فكرة ، إلّا أنّه في حقيقته يكون حكماً بعدم صلاحيتنا لعلاج أمورنا ، وعدم بلوغنا مرتبة الوعي والرشد ، بل يكون دليلاً حتّى عند أكثر الناس إنصافاً لنا ، على أنّنا لسنا أهلاً لحمل رسالة الإسلام الذي جاء ليحقّق السلام ، ويضمن الخير للبشر أجمعين!
ولو أنّها فشلت ، لما اقتصر أثرها على ضياع هذه الفكرة ، بل كان يمتدّ على الزمن فيثبط ـ في المستقبل ـ عزيمة كلّ من يحاول إنجاز عمل إسلامي ، أو تحقيق غاية إسلامية. بل ربّما ألقى هذا الفشل ، ظلّاً من التشكّك في مبادئنا الإسلامية نفسها ، فنظلم الإسلام ، ونتيح للبسطاء أو المغرضين أن يحكموا عليه بتصرّفاتنا نحن ، وشتّان بين حقيقة الإسلام وواقع المسلمين.
كان الوضع قبل تكوين جماعة التقريب يثير الشجن ، فالشيعي والسنّي كلّ كان يعتزل الآخر ، وكلّ كان يعيش على أوهام ولدتها في نفسه الظنون ، أو أدخلتها عليه سياسة الحكم والحكّام ، أو زينتها له الدعايات المغرضة ، وساعد على بقائها قلّة الرغبة في الاطّلاع.
كانت الكتب المشحونة بالطعن والتجريح تتداول بين أبناء كلّ فريق ، وتلقّى عند كلّ أحسن القبول حتّى ولو تكلّمت عن طوائف وعقائد لا وجود لها على سطح البسيطة ، كما في كتاب الملل والنحل الذي يبدو لقارئه في بعض الأحيان كأنّه يتكلّم عن خلق آخرين في الكواكب الأخرى.
وفي الجملة ؛ كان يسود الفريقين جو من الظلام ، فلا يرى أحدهما من صورة الآخر إلّا شبحاً تحوطه الظلمة ، ولا يتكلّم عنه إلّا بما توحي به الظلمة ،