ولا يقرأ عنه إلّا ما تسمح به حلكة الظلام.
فإذا ألّف أحد من أبناء الفريقين كتاباً ، فهو لا يعرض إلّا آراء مذهبه ، ولا يدافع إلّا عنها ، ولا يسير إلّا إليها ، وإذا طلب الأمر إشارة إلى ما في غير مذهبه ، فلا تكون إشارته إلّا طعناً واتهاماً ، وإلّا ترديداً لما سمعه أو قرأه أو ورثه عن آبائه!
وبذلك كبّروا الخلافات وضخّموها ، وردّدوا الشكوك وأسفوا فيها ؛ حتّى أصبح كلّ معنى يؤيّد الوحدة يفسّر في ظلّ الشكوك بما يوجب الفرقة.
بل وصل الأمر إلى التشكك في وحدة المصحف ، وشكّ كثير من أهل السنّة في أن يكون مصحف الشيعة هو المصحف الذي في أيدي سائر المسلمين ، ومع ذلك لم يكلّف أحدهم نفسه مؤنة التقليب في نسخة من ملايين النسخ التي في متناول يده ، ولو أنّهم فعلوا ، لذهب الشكّ وحلت المشكلة ، ولكنّهم حكموا على الموجود المحسوس لما ليس فيه اعتماداً على قول مؤلّف مغرض مات قبل قرون!
إنّ هناك قصة تروى لست أدري إن كانت واقعية أم صنعها الخيال :
لقد رووا أنّ قاضياً في إحدى البلاد رأى يوماً نفراً يمسكون بتلابيب رجل ويجرّونه إليه ويقولون : هذا الرجل يكذّب المؤمنين العدول. فقد شهد شاهدان عدلان بوفاته منذ سنين. ثمّ هو يظهر بين ظهرانينا وهو بوجوده هذا يقذف في عدالة الشهود!
فما كان من القاضي الألمعي إلّا أن قال : كيف نصدّق أنّك حيّ ، ونكذّب شاهدين عدلين شهدا بموتك من قبل؟! وحكم بعدم وجوده.