وأخيراً ، إنّنا نعتقد ، أنّ الإخلاص للقضايا الكبيرة التي جعلها الله أمانة في أعناقنا يقتضينا التضحية ببعض الجوانب الأخرى في مرونة إسلامية عميقة. وهذا ما عشناه في الأسلوب العلمي الذي أرادنا أهل البيت أن نسير عليه ، ونجد أمامنا ـ في هذا المجال ـ أسلوب الإمام علي أمير المؤمنين في الفترة التي عاشها بين وفاة الرسول ، وخلافته فيما حدّثنا عنه من أجوائها ، وموقفه من تلك الأجواء :
... فما راعني إلّا انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يريدون محق دين محمّد ، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه التي إنّما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما يزول السراب ، فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدين وتنهنه (١).
وفي قوله عندما سمع قوماً من أهل العراق يسبون أهل الشام :
إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكن لو وصفتم أفعالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول ، وابلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم : ربّنا أحقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، وأهدهم من ضلالتهم حتّى يعرف الحق من جهله ويرعوى عن الغي والعدوان من لهج به (٢).
وقول الإمام الصادق في حديث عن معاملة الشيعة لبقية المسلمين : صلّوا في جماعتهم ، وعودوا مرضاهم ، واحضروا جنائزهم أو موتاهم ، حتّى يقولوا
__________________
١ ـ نهج البلاغة ٣ : ١١٩ كتاب رقم٦٢.
٢ ـ نهج البلاغة ٢ : ١٨٥ الخطبة ٢٠٦.