فكيف إذا كانت الوحدة ضرورة للسلامة والكرامة والعزّة في مواجهة مؤامرة يحيك الغرب شباكها وفخاخها منذ خمسة قرون ، وينفذ فيها فصلاً بعد فصل ، ومرحلة بعد مرحلة بهدف الاستيلاء على ثروات الأُمّة الإسلامية والتحكّم فيها بمنعها كلّها ، ومنع أيّ قوم منها ، من أيّ دور في العالم ، بل من أي دور في اختيار صيغة حياتها ، واختيار التصرّف في ثرواتها وأرضها وسمائها. وأعظم وسائله إلى هذا الهدف هو ضرب وحدتها بتعطيل دور الإسلام التوحيدي في حياتها ، وذلك بتفكيك علاقات الوجدان والتاريخ والمصالح ووحدة المصائر بين أقوامها ، ثمّ بتفكيك هذه العلاقات داخل كلّ قوم ، مستخدماً عوامل القومية تارة ، وعوامل الوطنية تارة ، وعوامل المذهبية الطائفية تارة ، خالقاً المخاوف عند كلّ فريق من كلّ فريق ، وفي جميع مراحل هذه المؤامرة ، يستخدم قوته ونفوذه في بناء أنظمة للمصالح القومية والوطنية والقطرية ، والمذهبية الطائفية ، ويدفع بكلّ نظام إلى بناء قوّته الخاصّة التي تعتمد على الغرب وإلى ربط اقتصاده بالغرب ، ثمّ إلى ربط أمنه واستقراره بالغرب.
إنّ الوحدة لم تعد مجرد واجب ديني إسلامي مقدّس من مكوّنات إيمان المسلم ، بل غدت ضرورة حياتية يدركها العقل لضمان الحدّ الأدنى من سلامة الأُمّة وبقاء الكيانات التي تتشكّل فيها دولاً ومجموعات إقليمية فهي من الناحية الموضوعية المصلحية المحضة ، ليست ترفاً يقتضيه ويبرّره الاكتفاء ، بل ضرورة تقتضيها المصلحة.
إنّ المصلحة السياسية والأمنية والاقتصادية تقتضي بالتوحّد ، والبحث الجاد المخلص عن وسائله وأساليب تحقيقه بالتدرّج الذي يتسع للتنوعات ولا يلغي الخصوصيات.