والقلّة في تفرّقهم وتناحرهم في بعض حقب التاريخ ، ومنها عصر الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ قال تعالى في شأنهم : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (١).
وعلَّة كونهم هكذا أنّهم قوم لا يعقلون ، وليس لأنّ الله تعالى قدر عليهم أن يتفرّقوا ويتناحروا من غير سبب عملته أيديهم وأوجدوه بإرادتهم واختيارهم. وها هم اليهود الآن موحّدون متّحدون على مشروع واحد ، استطاعوا إنجاز جانب كبير منه على الرغم من العرب جميعاً والمسلمين جميعاً الذين ابتلاهم الله ـ باختيارهم وإرادتهم ـ بنفس ما شنع به على اليهود من الفرقة والتناحر والقلوب الشتّى ، لنفس ما أدّى باليهود في الماضي إلى هذا المصير وهو أنّهم لا يعقلون.
إنّ بيت المقدس الذي انتهك ، نخشى عليه مزيداً من الانتهاك ، وهو وحدة الأُمّة ، لابدّ من إعادة الحرمة إليه ، وتحصينه وترسيخه في وعي المسلمين وسلوكهم ، وصونه من عوادي الفتن.
وهذا أمر لا يتأسّس على السياسة وحدها ، بل يتأسّس ـ قبل السياسة على ( فقه الوفاق ) و ( فكر الوفاق ) :
أ ) ـ أما ( فكر الوفاق ) : فكر الوحدة فهو مسؤولية المثقّفين والمفكّرين المسلمين ، ولابدّ من إعادة تكوين هذا الفكر على هدى الكتاب والسنّة ـ وهما العامل الثابت فيه ـ والتاريخ والواقع المعيشي ، وهما العامل المتغيّر فيه.
ووظيفة هذا الفكر أن يربّى المسلم على أخطار الانقسام وبركات
__________________
١ ـ الحشر (٥٩) : ١٤.