فالذي يريد أن يحقّق هدفاً عظيماً مثل إقامة الدّين وإقامة حكم الله في الأرض لابدّ أن يدفع ثمن هذا الهدف العظيم.
فعندما تدعوك نفسك إلى مخالفة صاحبك تساءل في نفسك : هل من الصحيح أن أضحّي بهدفي العظيم الذي هو إقامة الدّين في الحياة ، وإنقاذ النّاس من الضّلالة ، من أجل أن أشبع غرور نفسي ورياءها ، وأتحدّى صاحبي؟
ونحن نرى في بعض الأحيان أنّ هناك أعمالاً تصل إلى مستوى إسقاط الطاغوت من بعد العلم كما يقول سبحانه : ( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (١) ، فالإنسان الذي يريد أن يوحّد نفسه فإنّ بإمكانه ذلك ، ولكنّه لا يريد لأنّه يبحث عن البغي.
والمشكلة الرئيسية التي يعاني منها الإنسان إجمالاً هي الإنسان يريد أن يسرق جهود غيره ؛ فروحه تدعوه دوماً إلى العدوان على الآخرين ، ولذلك نجد أنّ أكثر أسباب التفرّق تبع من هذه الطبيعة البشرية غير المهذّبة ، فإذا رضي كلّ إنسان بما يعمله وينتجه لما حدثت مشكلة في العالم ، ولكن كلّ واحد يريد أن يأخذ من الآخرين زيادة على ما يمتلكه ، فكل إنسان يتصوّر أنّه أعلى وأسمى من الآخرين ، وكلّ واحد يظن أنّ حقوقه أكثر من الآخرين ، وأنه يستحقّ أكثر مما يعطى له ، وهنا يستغلّ الشيطان هذه الثغرة في نفس الإنسان ليُوسوس ، وليُوحي إليه أنّه من المفترض أن يحتلّ المنزلة الفلانية ، وأن حقّه مهضوم ، وأنّ الآخرين لا يقدّرونه حق تقديره ، في حين أنّ هذا التصوّر مغلوط من الأساس ، لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يقيم نفسه حسب ما
__________________
١ ـ الشورى (٤٢) : ١٤.