تمهيد
إنّ اختلاف النّاس في أفكارهم وآرائهم ومواقفهم وعاداتهم لأمر طبيعي تقتضيه ظروف حياة البشر ، فلو استقصينا أزمنة التاريخ لما وجدنا البشرية في أيّ لحظة من الزمن تجتمع وتتفق على كلّ الأمور والقضايا بمجملاتها وتفاصيلها ، تلك الفترة البدائية القصيرة التي يتحدّث عنها القرآن الكريم بقوله (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) (١) ؛ أي قبل أن يعملوا عقولهم ويتنبّهوا إلى ما حولهم من حقائق ومصالح.
وحتّى المجتمعات الإيمانية من أتباع الأنبياء والأئمّة والأولياء لم يكونوا جميعاً على مستوى واحد من الفكر والالتزام ، كما لم تكن متطابقة ولا متفقة على جميع الجزئيات والتفاصيل الدينية والحياتية.
ونلاحظ جلياً في حياتنا كيف يختلف الناس في كلّ شيء حتّى لا نكاد نجد أمراً يتفق عليه الجميع ولعلّنا نستوحي أو نستشفّ من بعض الآيات الكريمة في القرآن الحكيم حتميّة وجود الاختلاف والتفاوت بين أبناء البشر حسبما شاءت إرادة الله تعالى وحكمته.
يقول تعالى : (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ
__________________
١ ـ البقرة (٢) : ٢١٣.