ذلك أن الله سبحانه وتعالى أودع في أعماق نفس كلّ إنسان فطرة صافية ووجداناً نقيّاً ، وبالفطرة والوجدان يهتدي الإنسان إلى الخير ويكتشف موارد الشرّ ، وبها يتفق أبناء البشر على المبادئ الخيّرة والبديهيات العقلية ، يقول تعالى : (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (١).
إلّا إنّ تربية الإنسان والأجواء التي ينشأ فيها قد تلوّث صفاء فطرته ونقاء وجدانه ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم : كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه .. (٢).
إنك لو سألت أيّ إنسان عن رأيه في الوحدة والتفرقة لما تردّد في الإجابة بأنّ الوحدة خير وأنّ التفرقة شرّ بصرف النظر علن التفاصيل والملابسات.
وتشير بعض الآيات الكريمة إلى أنّ البشر في بدء حياتهم على وجه الأرض يوم كانوا يعيشون البساطة والعفوية كانوا متّحدين لم يعرفوا معنى للتفرقة والاختلاف ، ولكن حينما بعث الله الأنبياء والرّسل خالفهم من تلوّثت فطرته ، وهناك بدأ الصراع والاختلاف في حياة الناس ، يقول تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) (٣).
فظاهر الآية يدل على أنّ هذا النوع قد مرّ عليهم في حياتهم زمان كانوا على الاتحاد والاتفاق ، وعلى السّذاجة والبساطة ، لا اختلاف بينهم بالمشاجرة
__________________
١ ـ الروم (٣٠) : ٣٠.
٢ ـ صحيح البخاري ٤٢ : ١٠٤.
٣ ـ البقرة (٢) : ٢١٣.