آخر فقال : لا حكم إلّا لله ، ثم قاموا من نواحي المسجد يحكّمون الله ، فأشار عليهم بيده : أجلسوا : نعم ، لا حكم إلّا لله : كلمة حقّ يبتغى بها باطل ، حكم الله ينتظر فيكم ، الآن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا : لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا ، ولا نقاتلكم حتّى تقاتلوا ، ثمّ أخذ في خطبته (١).
وينقل عن إمام المذهب الحنفي أبو حنيفة أنّه قد جلس بالمسجد يوماً فدخل عليه بعض الخوارج شاهري سيوفهم ، فقالوا : يا أبا حنيفة ، نسألك عن مسألتين ، فإن أجبت نجوت وإلّا قتلناك ، قال : اغمدوا سيوفكم فإنّ برؤيتها ينشغل قلبي. قالوا : وكيف نغمدها ونحن نحتسب الأجر الجزيل بإغمادها في رقبتك؟
قال : سلوا إذن. قالوا : جنازتان بالباب ، إحداهما رجل شرب الخمر فمات سكران ، والأخرى امرأة حملت من الزنا فماتت في ولادتها قبل التوبة ، أهما مؤمنان أم كافران؟
فسألهم : من أيّ فرقة كانا؟ من اليهود؟ قالوا : لا ، قال : من النصارى؟ قالوا : لا ، قال : ممن كانا؟ قالوا : من المسلمين. قال : قد أجبتم!
قالوا : هما في الجنّة أم في النار؟
قال : أقول فيهما ما قال الخليل عليه السلام فيمن هو شر منهما (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (٢) ، وأقول كما قال عيسى عليه السلام : (إِن
__________________
١ ـ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي ٨ : ٧٤٦.
٢ ـ إبراهيم ( ١٤ ) : ٣٦.