ضانّين أنّهم قادرون على أن يصبّوا الناس في قالب واحد يصنعونه هم لهم ، وأن يجتمع الناس على رأي واحد ، يمشون فيه وراءهم ، وفق ما فهموه من النصوص الشرعية ، وبذلك تنقرض المذاهب ، ويرتفع الخلاف ، ويلتقي الجميع على كلمة سواء.
ونسي هؤلاء أنّ فهمهم للنصوص ليس أكثر من رأي يحتمل الخطأ ، كما يحتمل الصّواب ، إذ لم تضمن العصمة لعالم فيما ذهب إليه ، وإن جمع شروط الاجتهاد كلها ، كلّ ما ضُمن له هو الأجر على اجتهاده أصاب أم أخطأ ...
ولا تحسبنّ أنّي أنكر عليهم دعوتهم إلى اتباع النصّوص ، أو اجتهادهم في فهمها فهذا من حقّ كلّ مسلم استوفى شرائط الاجتهاد وأدواته ، ولا يملك أحد أن يغلق باباً فتحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأمّة ، إنّما أنكر عليهم تطاولهم على مناهج علماء الأمّة ، واحتقارهم للفقه الموروث ، ودعاواهم العريضة في أنّهم وحدهم على الحقّ ، وما عداهم على خطأ أو ضلال ، وتوهّمهم أنّ باستطاعتهم إزالة الخلاف ، وجمع الناس قاطبة على قول واحد ، هو قولهم.
قال لي واحد من طلبة العلم المخلصين من تلاميذ هذه المدرسة مدرسة الرأي الواحد : ولِمَ لا يلتقي الجميع على الرأي الذي معه النصّ؟
قلت : لابدّ أن يكون النصّ صحيحاً مسلّماً به عند الجميع ، ولابدّ أن يكون صريح الدلالة على المعنى المراد ، ولابدّ أن يسلم من معارض مثله أو أقوى منه من نصوص الشريعة الجزئية أو قواعدها الكلية ، فقد يكون النصّ صحيحاً عند إمام ، ضعيفاً عند غيره ، وقد يصحّ عنده ولكن لا يسلم بدلالته على المراد ، فقد يكون عند هذا عاماً وعند غيره خاصّاً ، وقد يكون عند إمام مطلقاً ، وعند آخر مقيّداً ، وقد يراه هذا دليلاً على الوجوب أو الحرمة ، ويراه ذلك دالّاً على