المشكلة عند ذلك هو بلوغ الفرق الإسلامية هذا العدد ...
ثمّ إنّ الذين ذهبوا إلى صحّة الحديث تمايلوا يميناً ويساراً في تصحيح مفاده بعد الإذعان بصحّة إسناده فقالوا : إنّ المراد من ذلك العدد الهائل هو المبالغة في الكثرة كما في قوله سبحانه : (إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ) (١).
وأنت خبير بأنّ هذه المحاولة فاشلة لأنّها إنّما تصحّ إذا ورد الحديث بصورة سبعين أو غيرها من العقود العددية فإنّ هذا هو المتعارف ولكن الوارد غير ذلك ، فترى أنّ النبيّ يركز في حقّ المجوس على عدد السبعين وفي حقّ اليهود على عدد الإحدى والسبعين وفي حقّ النّصارى على اثنين وسبعين وفي حقّ الأُمّة الإسلامية على ثلاث وسبعين وهذا التدرج يعرب بسهولة عن أنّ المراد هو البلوغ إلى هذا الحدّ بشكل حقيقي لا بشكل مبالغي ...
وهناك محاولة جيدة لمحقق كتاب الفَرْقُ بين الِفرَقِ : وهي أنّه على فرض صحّة الحديث لا ينحصر الافتراق فيما كان في العصور الأولى فإنّ حديث الترمذي يتحدّث عن افتراق أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأُمّته مستمرّة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين فيجب أن يتحدّث في كلّ عصر عن الفِرَق التي نجمت في هذه الأمّة من أوّل أمرها إلى الوقت الذي يتحدّث فيه المتحدّث ، ولا عليه إن كان العدد قد بلغ ما جاء في الحديث أو لم يبلغ ، فمن الممكن بل المقطوع لو صحّ الحديث وقوع الأمر في واقع الناس على وفق ما أخبر به (٢).
__________________
١ ـ التوبة : (٩) : ٨٠.
٢ ـ بحوث في الملل والنحل ١ : ٣٥ ـ ٣٧ ( بتصرف ).