فلم يغادر منهنّ امرأة. فجاءت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال : « مرحباً بابنتي » فأجلسها عن يمينه ، أو عن شماله. ثُمّ إنّه أسرّ إليها حديثاً ، فبكت فاطمة ، ثُمّ إنّه سارّها فضحكت أيضاً. فقلت لها : ما يبكيك؟ فقالت : « ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن. فقلت لها حين بكت : أخصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحديثه دوننا ثُمّ تبكين؟ وسألتها عمّا قال فقالت : « ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » حتّى إذا قبض سألتها فقالت : « إنّه كان حدّثني أنّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلّ عام مرّة. وإنّه عارضه به في العام مرّتين ، ولا أراني إلا حضر أجلي. وإنّك أوّل أهلي لحوقا بي ، ونعم السلف أنا لك ».
فبكيت لذلك ، ثُمّ إنّه سارّني فقال : « ألا ترضين أنْ تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟ فضحكت لذلك » (١).
هذه جملة من الأحاديث بأسانيد ومتون متعدّدة ، وقد تركنّا العشرات منها للقارئ العزيز ، لكي يبحث ويتحرّى ويدقّق ، ويسأل نفسه ، لماذا هذا الكمّ الهائل من الأحاديث ، هل ذكرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عبثا أو أنّها مقدّمة لأمر منهمّ يتعلّق بالإسلام والعقيدة السمحاء ، ومعرفة ميزان النجاة من الفتنة ، التي ربّما قد تحدث بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
والآن ننتقل إلى جملة أخرى من الأحاديث النبويّة الشريفة وهي أيضاً من كتب وصحاح أهل السنّة ، تتعلّق بموضوع آخر ، يشكل قدراً عاليا جدّاً من الأهميّة ، أرجو من القارئ العزيز أنْ يدقّق فيها بشكل واسع.
بضعة أبيها :
روى مسلم في صحيحه ، حدّثني أبو معمّر ، إسماعيل بن إبراهيم الهذلي.
__________________
(١) صحيح مسلم ٧ : ١٤٣ ـ ١٤٤.