فنرى الآيتين تشيران بوضوح إلى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينطق عن ميول نفسانية ، وأنّ ما ينطق به وحي القى في روعه وأوحى في قلبه ، ومن لا يتكلّم عن الميول النفسانية ويعتمد في منطقه على الوحي يكون مصوناً من الزلل في المرحلتين : مرحلة الأخذ والتبليغ ، اّذ قال سبحانه : (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) ، (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى).
وفي التعبير عن عصمة النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم نجد في نهج البلاغة للإمام علي عليهالسلام في خطبته القاصعة يقول : « ولقد قرن الله به من لدن أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره » (١).
ودلالة هذه الجمل من هذه الخطبة على عصمة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في القول والعمل عن الخطأ والزلل واضحة ، فإنّ من ربّاه أعظم ملك من ملائكة الله سبحانه من لدن أنْ كان فطيماً ، إلى أُخريات حياته الشريفة ، لا تنفكّ عن المصونية من العصيان والخطأ ، كيف وهذا الملك يسلك به طريق المكارم ، ويربيه على محاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، لا يعصي ولا ينحرف عن الجادّة الوسطى ، وليست المعصية إلا سلوك طريق المآثُمّ ومساوئ الأخلاق ، ومن يسلك الطريق الأوّل يكون متجنباً عن سلوك الطريق الثاني.
إنّ حياة الأنبياء من لدن ولادتهم إلى زمان بعثتهم ، مشحونة بالمجاهدات الفردية ، والاجتماعية ، فقد كانوا يجاهدون النفس الأمارة أشدّ الجهاد ، ويمارسون تهذيب أنفسهم ، بل ومجتمعهم ، فهذا هو يوسف الصدّيق عليهالسلام جاهد نفسه الأمّارة وألجمها بأشدّ الوجوه عندما راودته من هو في بيتها قال تعالى في سورة يوسف : (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) ، فأجاب بالرد والنفي بقوله : (مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي
__________________
(١) نهج البلاغة شرح محمّد عبده ٢ : ١٥٧.