ومن تدوينها وحفظها ، ورعايتها ، وتبليغها.
ثمّ إنّ المسلمين أدركوا بطلان صحّة ذلك الادّعاء ، وهو ادّعاء عمر ، أنّ في حرق سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومحوها ومنع تدوينها حفظاً للدين والقرآن ، أدرك المسلمون بطلان ذلك الادّعاء ، فلم يقبلوه ، بل ورفضوه ، ولم يلتزموا به ، حيث قاموا ببدء تدوين الحديث ، لكن بعد القرن الأول الهجري ، وفي القرن الثاني حتّى بداية الثالث الهجري ، فلو كان هناك أمر نبويّ بمنع التدوين ، أو بحرق السنّة أو محوها ، لما خالف المسلمون ذلك الأمر النبوي.
ثمّ إنّه من المعروف أنّ عمر بن الخطّاب كان في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحاول دائما أنْ يقرأ التوراة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يغضب لذلك ، وكان دائماً يمنعه من قراءتها ، حتّى وصل به الأمر أنْ طلب من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنْ يدوّن حكم وتعاليم اليهود التي يتحدّثون بها ويتداولونها ، حتّى تنفع المسلمين ، إلا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، رفض ذلك الأمر ، وغضب غضباً شديداً.
روى أحمد في مسنده ، عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر بن الخطّاب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله ، إنّي مررت بأخ لي من قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة ، ألا أعرضها عليك؟ قال : فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، قال عبد الله ، فقلت له : ألا ترى ما بوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (١).
روى الهيثمي في مجمع الزوائد ، عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر بن الخطّاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله ، إنّي مررت بأخ لي من بني قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال : فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال عبد الله ، يعني : ابن ثابت. فقلت : ألا ترى ما
__________________
(١) مسند أحمد ٣ : ٤٧٠ ، ٤ : ٢٦٥ ، وأورده السيوطي في الدرّ المنثور ٢ : ٤٨.