تلك المنطقة كانوا من أهل السّنّة ، ومن أتباع الشّافعي ظاهرا ، فإنّ نشأة الوزير نظام الملك ( ٤٠٨ ـ ٤٨٥ ه ) في « نوقان » والإمام الغزالي ( ٤٥٠ ـ ٥٠٥ ه ) في « طابران » على مذهب الشافعي ، وكذلك غيرهما من العلماء تؤيّد ذلك.
ومن المحتمل أيضا أن أسره الشيخ الطوسي كانت من شيعة آل البيت بطوس ، لكنّها كانت تحت ستار التقيّة وكانوا يظهرون الشافعيّة خوفا من الإساءة لهم كما حصل بالفعل « للفردوسى » بعد وفاته حيث رفضوا دفنه في مقابر المسلمين لكونه رافضيا.
المرحلة الثانية
من وروده بغداد حتّى هجرته إلى النّجف
وضع بغداد آن ذاك علميّا ومذهبيّا وسياسيّا
لمعرفة بغداد كما كانت حين ذاك ، قد لا يكفى كتاب ، إلّا أنّنا نحتاج هنا إلى رسم صورة ولو مبهمة عن مكانتها السياسيّة والعلمية في تلك الأيام : فنقول :
لقد تمّ بناء بغداد على يد أبى جعفر المنصور الخليفة العبّاسيّ الثّاني ، حيث جعلها مركز الخلافة رسميا عام ١٤٦ ه. (١) وبذلك صارت بغداد مركز الثقل السياسيّ للعالم الإسلامي الواسع من ذلك الوقت إلى آخر أيّام العباسيين عام ٦٥٤ ه فحكمت الأقاليم الإسلاميّة كلها. وكذلك أصبحت بغداد أكبر قاعدة علميّة ثقافية في العالم ، فكانت مجمع العلماء والخبراء في شتّى العلوم والفنون. وقصدها العلماء وطلّاب العلم من كلّ فجّ عميق ، وتوطّنوا بها مدى حياتهم أو أقاموا فيها برهة من الزمان لاكتساب العلم وتعلّمه ، أو لنشره وتعليمه ثم ارتحلوا عنها.
إن أكبر الفقهاء وأئمّة المذاهب الإسلاميّة : مثل الإمام أبي حنيفة ( ٨٥ ـ ١٥٠ ه ) والإمام الشافعي ( ١٥٠ ـ ٢٠٤ ه ) والإمام أحمد بن حنبل ( ١٦٤ ـ ٢٤١ ه ) والإمام داود الظّاهري ( ٢٠٢ ـ ٢٧٠ ه ). وكذلك كبار المحدّثين ومن جملتهم مؤلفوا الصّحاح
__________________
(١) على رأي الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد ج ١ ص ٦٦ ، جلس الخليفة المنصور على عرش الخلافة عام ١٣٦ ه ، وفي عام ١٤٥ بدأ تخطيط بغداد وبناءها ، وفي عام ١٤٦ تم بناؤها؟ وانتقل بلاط الخلافة إليها ، وتم الجدار الخارجي وسائر عمليات البناء في أواسط عام ١٤٩. وقد رويت في ذلك روايات أخرى متفاوتة في ذلك بعض الشيء.