بغداد بجهد هذا الوزير الشّيعي الفاضل ، وكانت تشتمل على نفائس الكتب النّادرة وتضاهي مكتبة « بيت الحكمة » وكذلك مكتبة الشّريف المرتضى التي كتب عنها أنّها حوت ٨٠ ألف كتابا (١) كما أن أخاه الشّريف الرّضي أسّس أيضا مؤسّسة باسم « دار العلم » كان فيها مكتبة مهمة (٢).
وبالإضافة إلى هذه المكتبات الثلاث ، كانت هناك بالطبع مكتبات أخرى شخصية لعلماء الشّيعة ويعلم من فهرست ابن النديم أنه قد كان لكتب الشّيعة رواج في سوق البيع حين ذاك في بغداد وأنه وقع قسم كبير منها بيد ابن النديم حيث سمّاها في فهرسته مع ذكر شيء من مزاياها. (٣)
إن المكانة التي أحرزها الشّيعة في بغداد كان الفضل يعود فيها بشكل أساسيّ إلى رجال كانت لهم منزلة وشأن من أمثال علي بن يقطين (٤) الذين عملوا مع العبّاسيين
__________________
« الكاظميّة » حاليّا ، بنيت مدوّرة لها أربعة أبواب باسم الكوفة ، والبصرة ، والشام وخراسان وكانت هندستها بهذه الكيفيّة : ١ ـ خندق محيطة بالبلد. ٢ ـ المثنى المبينة بالآجر والساروج سدا للسيل. ٣ ـ فيصل خارجي في عرض ٥٠ ذراعا : مساحة خالية عن أىّ بناء حفاظا على المدينة من العدوّ والحريق. ٤ ـ السّور الأعظم في ارتفاع ٣٠ ذرعا ، وضخامة ٥ ـ ٢٢ ذراعا في الأسفل ، و ١٢ ذراعا في الأعلى. ٥ ـ فيصل داخلي في عرض ١٥٠ ذراعا : مساحة بدون بناء ، دفاعا عن المدينة. ٦ ـ جدار ثان محيط بميدان واسع في الدّاخل ، ومحيط بالأبنية والقصور. وكان الحدّ الفاصل بين الجدارين يسمى « بين السورين ». وبعد ذلك تم بناء الكرخ جنوبيّ المدينة ثم انهدمت أركان المدينة تدريجيّا ، وبنيت مكانها محلّات منضمّة إلى محلة الكرخ ، وقد سمّيت تلك المحلّات باسم مكانها من المدينة القديمة ، مثل محلّة باب الكوفة ، محلة باب البصرة ، وهكذا. وفي رأيي أنّ مكتبة شابور كانت واقعة في مكان كان قبل ذلك يسمي « بين السورين » ولم أر من تنبه لذلك بهذا الشرح. لاحظ دليل خريطة بغداد ص ٤٩.
(١) قال أبو القاسم التنوخي ملازم السيد المرتضى : قد أحصينا كتب السيد فكانت ٨٠ ألف مجلّد من مصنفاته ومحفوظاته ومقرواته. وقال الثعالبي قد قومت بثلاثين ألف دينار ، بعد أن أهدى القسم الكبير منها للوزراء والرؤساء ، روضات الجنات ص ٣٨٣ و ٣٨٤.
(٢) دار العلم هذه كانت مدرسة يسكن فيها الطلبة ، وقد هيئت لهم كلّ ما يحتاجون إليه ( ومنها المكتبة ). روضات الجنّات ص ٥٧٥.
(٣) قد ذكر الشيخ الطوسي في الفهرست ص ١٦٣ أسماء كتب العيّاشي نقلا من الفهرست لابن النّديم ، وكأنّه لم يكن له مصدر سوى ذلك.
(٤) كان يقطين والد علىّ من دعاة آل العباس ، وتعقبه مروان الحمار ففرّ من موطنه الكوفة ، كما فرت أمّ علىّ مع ابنه هذا وأخيه عبيد إلى المدينة حتى رجعوا إلى الكوفة بعد استقرار الحكم لآل عبّاس. وكان عليّ من المقرّبين لدى البلاط العباسي ، ذا مكانة مرموقة عند السّفاح ، والمنصور ، والمهدي ، والرشيد وتوفّى عام